الأربعاء، 8 يوليو 2009

أسس الليبرالية


التعدي على الآخرين ينتهك مفهوم حرية الفرد ذاته، وهذا يعني أن حرية الفرد تتضمن أساسا شرط عدم التعدي على الآخرين. لكن على الرغم من أن هذا الاستثناء هو مجرد تحصيل حاصل، فإنه مفيد، فهو ينبه الفرد إلى أن الحرية
لا تُحتكر، فهي حق للجميع!
كلمة liberal يعود تاريخ استعمالها إلى القرن الرابع عشر، وكانت تشير إلى معان مختلفة: فهي قد تعني «حُر»، أي من ليس بعبد أو خادم، و في هذه الحالة تكون مشتقة من المصطلح اللاتيني liber، وأحيانا تأتي بمعنى «كريم»، كإشارة إلى هبات المحسنين من طبقة الأحرار تجاه الفقراء والمحتاجين، وأما كسلوك اجتماعي فقد كانت ترمز إلى الانفتاح العقلي. أما الليبرالية كآيديولوجية سياسية فبدأت مع ظهور الدستور الإسباني في عام 1812، ولكنها تقوم على أفكار و نظريات تبلورت قبل ذلك التاريخ بثلاثة قرون، بدءا من كتاب «الخطابات» لمكيافيللي، مرورا بأفكار «جون لوك» و فلاسفة عصر الأنوار، و انتهاءً بالدستور الأميركي في عام 1787. لم تكن مصادفة أن يشهد القرن التاسع عشر بروز الليبرالية كآيديولوجية سياسية مهيمنة، فهذا القرن كان مسرحا لظروف موضوعية ساهمت في تبني الأفكار الليبرالية لأغراض متباينة. البورجوازية (الطبقة الوسطى) وجدت في الليبرالية حرية التملك، و البروليتاريا (طبقة العمال) وجدت في الليبرالية حرية التنقل، و النتيجة كانت أن انتقل البورجوازي (اجتماعياً) من كونه صاحب حرفة إلى مرتبة رجل الأعمال، و انتقل البروليتاري (جغرافيا) من فلاح يحرث الأرض إلى عامل في مصنع. أريد من خلال هذا المقال أن أستعرض بشكل موجز أهم الأسس التي تقوم عليها الليبرالية:

1 - الفرد:
الفرد هو أساس المجتمع، والليبرالية تؤمن بأولوية الفرد على أولوية المجتمع. كل فرد هو «غاية في ذاته»، كما يقول «كانط»، و كل فرد له حقوق طبيعية مثل «الحياة، الحرية، الملكية»، حسب رأي «جون لوك». وما يميّز الفرد عن الآخرين هو خصاله الذاتية و قدراته الشخصية، و ليس اللقب الذي ورثه! في جوف كل فرد طاقة ذاتية كامنة، والليبرالية تكفل حق الفرد في تجسيد هذه الطاقة الذاتية على أرض الواقع.

2 - الحرية:
الإيمان بحرية الفرد نابع من الإيمان بالفرد نفسه، والحرية الفردية، هي المبدأ الذي ينبغي أن تقوم عليه كل آيديولوجية ليبرالية. لكن حرية الفرد ليست مطلقة، والسقف الأعلى للحرية نجده عند الليبرالية الراديكالية، التي لا تحد من حرية الفرد إلا في حال التعدي على الآخرين. أعتقد أن هذا الاستثناء في عدم «التعدي على الآخرين»، هو مجرد تحصيل حاصل، فالآخرون هم أفراد أيضا، والتعدي على الآخرين ينتهك مفهوم حرية الفرد ذاته، وهذا يعني أن حرية الفرد تتضمن أساسا شرط عدم التعدي على الآخرين. لكن على الرغم من أن هذا الاستثناء هو مجرد تحصيل حاصل، فإنه مفيد، فهو ينبه الفرد إلى أن الحرية لا تُحتكر، فهي حق للجميع!

3 - العقل:
تطور الليبرالية في الفكر الغربي كان موازياً لتطور الفلسفة التجريبية من جهة، والطريقة العلمية في التفكير، من جهة أخرى. وما يجمع هذه التطورات الثلاثة هو المبدأ التالي: «لا تقبل شيئاً على أنه حقيقي لمجرد أنه صادر من سلطة عليا، فعليك أن تبحث عن الحقائق بنفسك لتحكم بنفسك!». هذا المبدأ البسيط كان بمثابة ثورة في الفكر الغربي، وبفضله تعتبر الليبرالية منافية لكل نزعة تسلطية مهما كان مصدرها!

4 - العدل:
مفهوم العدل حسب النظرية الليبرالية يعتمد على تعريفات متعددة لمفهوم المساواة:
أولا: هناك مساواة أساسية تؤكد أن الأفراد يولدون سواسية من حيث قيمتهم الإنسانية، وهذا ما تتضمنه نظرية الحقوق الطبيعية للفرد كما ذكرت سابقا.
ثانيا: هناك مساواة اجتماعية تتعلق بمفهوم العدل الاجتماعي، فالامتيازات الاجتماعية يجب أن لا تقتصر على طبقة اجتماعية دون غيرها، و ألا توزع بين الأفراد على أساس الدين أو الأصل أو الجنس أو اللون.
ثالثاً: المساواة القانونية التي تشير هنا إلى أن الجميع سواسية أمام القانون، وأن العوامل التي ليست لها صفة قانونية يجب أن لا تؤثر على الحكم القانوني.
رابعاً: هناك أيضا المساواة السياسية، فكل فرد له صوت انتخابي، و كل صوت انتخابي له قيمته! صوت الفرد هو تعبير عن إرادته، والإرادة تعبير عن حرية الفرد.

5 - التسامح والتعددية:
إذا كان الفرد هو نواة المجتمع، وإذا كان كل فرد يختلف عن الآخر من حيث خصاله الذاتية وقدراته الشخصية، فهذا يعني أننا أمام مظهر من مظاهر التعددية، وأن مفهوم الفردية يؤدي في نهاية المطاف إلى مفهوم التعددية. الاحتفاء بهذه التعددية والمحافظة عليها يشكلان جوهراً لمفهوم التسامح، من هنا يصبح من المنطقي القول إن المجتمع الليبرالي مجتمع متسامح لأنه يؤمن بالتعددية، وهو يؤمن بالتعددية لأنه يؤمن بالفردية!

ليست هناك تعليقات: