الأربعاء، 29 يوليو 2009

رؤية الهلال... وإهانة العلم

«دعا مجلس القضاء الأعلى عموم المسلمين في المملكة إلى تحري رؤية هلال شهر شوال مساء الخميس المقبل 29/9/1428هـ ليلة الجمعة الموافق 30/9/1428هـ حسب تقويم أم القرى».
جريدة «الشرق الأوسط»، 9 أكتوبر 2007.
«ثبت شرعاً لدى مجلس القضاء الأعلى في هيئته الدائمة رؤية هلال شهر شوال 1428هـ ، مساء هذا اليوم الخميس الموافق 29/9/1428هـ حسب تقويم أم القرى بشهادة عدد من الشهود الثقاة في أمكنة عدة، وبهذا يكون يوم غد الجمعة الموافق 12 أكتوبر عام 2007م هو يوم عيد الفطر المبارك».
ضمن ما جاء في البيان الصادر عن مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية.
«الحساب الفلكي أمر ممنوع شرعاً ولا يجوز الأخذ به، وقد صدر قرار المجمع الفقهي في رابطة العالم الاسلامي في مكة المكرمة بعدم الأخذ به».
الدكتور صالح المرزوقي، الأمين العام للمجمع الفقهي في رابطة العالم الاسلامي، صحيفة «عكاظ» السعودية، 17 يناير 2007.
حسب تقويم أم القرى، الذي يشرف عليه معهد بحوث الفلك والجيوفيزياء في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، يصادف أول يوم لعيد الفطر لهذه السنة يوم السبت، الموافق 13 أكتوبر، والسبب في ذلك بسيط ومباشر، ففي يوم الخميس الموافق التاسع والعشرين من رمضان يغيب القمر في مكة المكرمة قبل مغيب الشمس، مما يعني استحالة رؤية الهلال في تلك الليلة! ليس في الأمر لغز، فعندما يصل القمر مرحلة المحاق (أي عند وقوعه بين الشمس والأرض)، فإن جانب القمر المقابل للأرض يظل معتماً!
برغم هذه الحقيقة العلمية التي يعرفها طلاب المرحلة المتوسطة، يصدر مجلس القضاء الأعلى السعودي بياناً يدعو من خلاله «عموم المسلمين في المملكة إلى تحري رؤية هلال شهر شوال مساء الخميس»! كيف يتحرّون رؤية شيء غير موجود أساسا؟! سوف أفترض حسن النية في كل من شهد برؤية الهلال في تلك الليلة، فصفحة السماء مليئة بالأجرام السماوية، وربما أدى ذلك إلى بعض الالتباس، لكن هذا لا يلغي استحالة رؤية هلال شوال مساء الخميس الماضي، حتى لو أقسم الشهود بأغلظ الأيمان على رؤيته!
يبدو أن أعضاء مجلس القضاء الأعلى السعودي مازالوا يجهلون الفرق بين التنجيم astrology وعلم الفلك astronomy، فالأول لا يقوم على أساس علمي برغم قدمه، أما الثاني فهو أحد أهم أفرع العلم الحديث. هذا يعني أن الحديث النبوي الذي يقول: «كذب المنجمون ولو صدقوا» ينطبق فقط على التنجيم، ولا ينطبق على علم الفلك! ثم هل يعقل أن نستمر في إعطاء الأولوية للرؤية بالعين المجردة في ظل وجود حسابات فلكية في غاية الدقة؟ هل يعقل أن نثق بحاسة النظر في ظل وجود قائمة طويلة من الخدع البصرية؟ إحدى هذه الخدع البصرية تتعلق بالقمر نفسه، وهي عبارة عن ظاهرة طبيعية، فالقمر يبدو عادة كبيراً في حجمه قرب الأفق، لكن لو نظرنا إليه بشكل مقلوب، بحيث نسند رؤوسنا إلى الأرض أو نأخذ وضعية الركوع ثم ننظر إلى القمر من بين أرجلنا، فإننا سنكتشف أن القمر عاد من جديد إلى حجمه الطبيعي! كم أتمنى أن يقوم أعضاء مجلس القضاء الأعلى السعودي بهذا التمرين البسيط كي يتحققوا من صحته، فمن يدري؟ لعل الشك في حاسة النظر يتسلل أخيراً إلى قلوبهم، ولعلهم يقتنعون بأهمية اعتماد الحسابات الفلكية والتخلي عن شرط الرؤية البصرية بالعين المجردة!
يبدو أيضا أن أعضاء مجلس القضاء يجهلون الفرق بين الرجم بالغيب divination والتنبؤ العلمي scientific prediction، فالأول حصيلة تراث من الخرافة، أما الثاني فثمرة نظام رياضي محكم. أهمية مفهوم التنبؤ العلمي تكمن في وظيفته كمعيار نستطيع من خلاله تحديد هوية النظرية ومدى صحتها، فالنظرية التي لا تستطيع تقديم تنبؤات علمية قابلة للاختبار لا تنتمي إلى ميدان العلم، بل إلى ميدان الفلسفة، أما إن استطاعت النظرية تقديم تنبؤات علمية قابلة للاختبار، فإن قبول هذه النظرية أو رفضها يخضع لنتيجة هذا الاختبار. لاحظ أن النظرية الخطأ ليست شراً مطلقا، فهي على الأقل تمكنت من إتاحة الفرصة لنا في اختبارها، وهذه صفة إيجابية لاتتوافر في النظريات كلها التي تقع خارج نطاق العلم!
ليست هذه هي المرة الأولى التي يخالف فيها أعضاء مجلس القضاء الأعلى السعودي رأي العلماء المتخصصين في علم الفلك، وأشك في أن تكون هذه هي المرة الأخيرة، فمُناصبة العداء للعلم قديمة قِدَمَ الخرافة والأساطير! مع ذلك، لست أعفي الأساتذة الأفاضل في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من المسؤولية، فهم مطالبون بالخروج عن صمتهم والدفاع عن الحقائق العلمية، ذلك أن إهانة العلم هي إهانة لهم بوجه خاص، وإهانة لعقولنا بوجه عام!

ليست هناك تعليقات: