الأربعاء، 29 يوليو 2009

لماذا الخوف من حرية التعبير؟

هناك تشابه كبير بين القاضي العادل والناخب الواعي، فكلاهما لايصدر حكمه إلا بعد الاستماع إلى جميع الأطراف. إذا كانت ملاحظتي هذه صحيحة، فهذا يعني أن ضمان حرية التعبير لكل طرف في شرح قضيته يعتبر شرطاً ضرورياً لوجود قضاء عادل وديموقراطية ناجحة. ألست تتفق معي، عزيزي القارئ، في أن القاضي الذي يعطي الحق لطرف في شرح قضيته، ثم يسلب هذا الحق من الطرف الآخر، يمكن وصفه بأنه قاض ظالم؟ هل تختلف صورة هذا القاضي الظالم عن صورة المجتمع الذي نعيش فيه؟ هل تختلف صورة هذا القاضي الظالم عن صورة نظامنا الديموقراطي؟ ألسنا نسمح بحرية التعبير لكل من يرفع لواء الدين والعادات والتقاليد، ونسلب هذه الحرية من الطرف الآخر؟!
يمكن ملاحظة هذا التفاوت الظالم في حرية التعبير بين طرف وآخر من خلال شكل النزاعات الفكرية، فأنصار التيار الإسلامي لايكتفون بمهاجمة السلوك الشخصي لخصومهم، بل يتعدون ذلك إلى مهاجمة الأساس الفكري الذي يستند إليه هؤلاء الخصوم، وعادة ما يتخذ هذا الهجوم طابعاً حاداً من خلال استخدام أقبح الألفاظ في حق مفاهيم فكرية لاحول لها ولا قوة! لكن في المقابل، عندما نريد أنا وأنت الرد على هذا الهجوم الكاسح، فإننا نعلم مسبقا أن النقد المسموح به يجب أن يقتصر فقط على السلوك الشخصي، من دون التعرض إلى النموذج الفكري الذي يتبناه أغلبية أفراد المجتمع! هذا هو السبب وراء انتشار مصطلح «متأسلم»، وهو مصطلح غير موفق في نظري، فهو يتضمن تهمة عدم الالتزام بالإسلام الصحيح، وبغض النظر عن صحة هذه التهمة، فإن مجرد تبنّيها يُضعف من موقف مَن يُفترض أن يكون نِدّا فكرياً للتيار الديني!
أنا مع احترام الأديان كلها من دون استثناء، والنقد البناء لأي دين لايتعارض مع هذا الاحترام. عندما ينص دين من الأديان على أن الفعل الفلاني محرم شرعاً، فمن حقي أن أستفسر عن أسباب التحريم، وعندما يبين لي الدين هذه الأسباب، فمن حقي أيضاً أن أطرح التساؤل التالي لو استطعت إثبات عدم توافر أسباب التحريم في حالة معينة، فهل يبقى التحريم قائماً؟ بمعنى آخر، هل التحريم مطلق أم نسبي؟ من جانب آخر، احترامي لتعاليم الدين لايعني بالضرورة أن أتخذ هذه التعاليم معياراً أقيس من خلاله مدى أخلاقية سلوكي اليومي، فالعقل بإمكانه أن يؤدي الوظيفة نفسها، وهنا أطرح من جديد تساؤلا آخر إذا كنت على استعداد لاحترام المرجعية الدينية للمجتمع الذي أنتمي إليه، فلماذا لايحترم هذا المجتمع قراري الشخصي في أن يكون العقل هو مصدر مرجعيتي؟ لماذا نسمح بإهانة العقل الإنساني ووصمه بالقصور والعجز، بينما لانسمح حتى في توجيه نقد بناء وموضوعي لتعاليم الدين؟ لماذا يحق للمجتمع أن يدوس على ما أراه مقدساً بالنسبة إليّ، ولايحق لي حتى مجرد الاختلاف مع ما يراه المجتمع مقدساً؟!
صورة القاضي الظالم هي صورة هذا المجتمع الذي نعيش فيه، فنحن نسمح لطرف أن يتحدث كيفما شاء، بينما نقول للطرف الآخر «أخرس فمك»! لماذا الخوف من سماع وجهة نظر الطرف الآخر، مهما جاءت متناقضة مع وجهة النظر السائدة؟ هل هو العجز عن نقض الحجة بالحجة، أم هو الخوف من الانقلاب على النظرة السائدة؟ إذا كان العجز هو السبب، فالحل لايكمن في الحجر على حرية التعبير، بل في التركيز على دروس علم المنطق! أما إن كان الخوف هو السبب، فهذا يعني أن هناك من يعتقد أنه وصي على عقول الناس وآرائهم!
لعل أبرز دليل على خوفنا من حرية التعبير والضيق بالرأي الآخر هو وجود نظام «الحسبة» ضمن نظام الكويت القانوني، والمضحك المبكي هو أن «الحسبة الدينية» لا تقابلها على الأقل «حسبة دستورية»، فنحن على أهبة الاستعداد لرصد المخالفين لمبادئ العقيدة، لكننا لانحفل بمن ينتهك نصوص الدستور ليل نهار، وتحت قبة البرلمان!

ليست هناك تعليقات: