الأربعاء، 8 يوليو 2009

الآثار السلبية للطموح السياسي في الكويت


إذا أردت أن تكون نائباً، فعليك تأمين أكبر عدد من المؤيدين لترشيحك، وإذا أردت أن تصبح وزيراً، فعليك تأمين أقل عدد من المعارضين لتوزيرك! هذا يعني أن نجاح الطموح السياسي للفرد مرهون بمدى مداهنة الفرد للرأي العام والحرص على عدم التصادم معه.
سألت مرة صديقاً بريطانياً عن طموحه في الحياة، فأجابني: «كنت أحلم دوماً أن أكون رئيساً للوزراء، وهذا هو أقصى مايمكن أن تصل إليه إن كان لديك طموح سياسي!». الأمر لدينا يختلف، فالطموح السياسي في الكويت، إذا كتب له النجاح، يقودإما لعضوية مجلس الأمة، وإما لعضوية مجلس الوزراء. إذا أردت أن تكون نائباً، فعليك تأمين أكبر عدد من المؤيدين لترشيحك، وإذا أردت أن تصبح وزيرا، فعليك تأمين أقل عدد من المعارضين لتوزيرك! هذا يعني أن نجاح الطموح السياسي للفرد مرهون بمدى مداهنة الفرد للرأي العام، والحرص على عدم التصادم معه، والآثار السلبية الناتجة عن هذه المداهنة هي موضوعنا في هذا المقال.
الانخراط في العمل السياسي يتضمن الإيمان بمبدأ القدرة على التغيير، والطموح السياسي ليس سوى وسيلة لتحقيق التغيير المنشود. إذاأردت أن تغير، فهذا يعني أن لديك مجموعة من الأفكار والمباديء التي تؤمن بأهميتها في صلاح المجتمع، وجهدك ينصب في محاولة إقناع الآخرين بأفكارك ومبادئك. هذه هي الحالة الطبيعية في ظل مجتمع متسامح ومنفتح، لكن عندما يكون المجتمع متعصباً وأحادي النظرة، فإن الانخراط في العمل السياسي ينتج نوعين من الأفراد. النوع الأول: يخضع طموحه السياسي لمبادئه وأهدافه، لذا فهو يختار التضحية بطموحه السياسي والعمل أولاً، على تهيئة المجتمع لقبول الأفكار التي ينادي بها، وربما تطلب الأمر التضحية الأبدية بأي طموح سياسي. النوع الثاني: يُخضع آراءه ومبادئه لطموحه السياسي، لذا فهو يختار من بين أفكاره وآراؤه أخفها ثقلاً على مسامع الناس وأكثرها انسجاما مع الرأي العام، فالمهم هو الوصول، ولايهم كيف وبأيّ ثمن! من المؤسف أن يكون النوع الثاني، هو السائد في الحياة السياسية في الكويت. لماذا لم تشهد الكويت طوال تاريخها السياسي مرشحاً واحداً فقط يخوض الانتخابات تحت شعار «من أجل مجتمع علماني ليبرالي، انتخبوا فلان الفلاني»؟ الجواب معروف، فهذه المفاهيم أصبحت شبهة وسبة في ظل تشويه منظم دام سنوات طويلة، لذا فإن هذه المفاهيم «المشبوهة» لاتضمن الوصول إلى تحقيق الطموح السياسي! لكن أيهما أهم: إقناع الآخرين بما تؤمن به، أم الوصول بأي وسيلة؟ البعض يعتقد أن على الفرد أن يصل أولا بأي وسيلة، ثم ينفذ بعد ذلك مايشاء من أفكار. هذا اعتقاد يدل على عدم الإخلاص مع النفس أولا، ومع الآخرين ثانياً، ثم إن الحرص على الوصول بأي وسيلة يتبعه عادة الحرص على البقاء بأي وسيلة! قانون منع الاختلاط تم في عهد وزير سابق طموحه السياسي أهم بكثير من المبادئ التي كان ينادي بها، وفرض الرقابة على معرض الكتاب تم في عهد وزير سابق طموحه السياسي أهم بكثير من حرية التعبير التي ما زال ينادي بها!
أشعر بخيبة أمل كبيرة عندما أشاهد أستاذاً جامعياً يتحاشى الإجابة عن سؤال مباشر حول رأيه في مفاهيم مثل «الليبرالية» أو«العلمانية»، فهذا التصرف الجبان يدل على أن لهذا الأستاذ طموحاً سياسياً لا يرغب في التضحية به، فمناصرة هذه المفاهيم تزيد من عدد المعارضين، وزيادة عدد المعارضين تقلل من فرصة استقبال تلك المكالمة الهاتفية التي تضمن له عضوية مجلس الوزراء! الصدق مع النفس أمر صعب، لكنه يزداد صعوبة عندما يكون الطموح السياسي الأناني على المحك! الفرق بين المثقف والسياسي، هو أن المثقف يبحث عن الحقيقة مهما كانت النتائج، والسياسي يبحث عن رضا الناس مهماطالت قائمة التنازلات!
زيارة «الديوانية»، هي عادة اجتماعية جميلة تضمن التواصل بين الأقارب والأصدقاء، والكتابة في الصحف نشاط ذهني يطمح إلى المساهمة المخلصة في تغيير المجتمع إلى الأفضل، والمشاركة في جمعيات النفع العام تسهم في خلق مجتمع مدني متحضر، لكن أنانية الفرد الجامحة لا تتورع في جعل كل هذه الأمور مجرد عتبات على سلم الطموح السياسي! حتى حماس الجيل الجديد وحلمه في التغيير تم استغلالهما من قبل البعض للوصول إلى حيث الوجاهة الاجتماعية والثراء السريع!
إذا أردنا النجاح في مشاريع مدنية حيوية مثل الدفاع عن حقوق الإنسان، والحرية الشخصية، وحريات الرأي والتعبير، والأقليات، فعلينا أولاً إزاحة كل من له طموح سياسي عن قيادة هذه المشاريع، فالمتاجرة السياسية بمشروع نبيل، هي أقصر الطرق لوأده وإفشاله!

ليست هناك تعليقات: