الأربعاء، 8 يوليو 2009

الضريبة الموجعة للفساد

لو كانت عندي شركة واحتجت إلى موظفين، فإن أول إجراء أقوم به هو تحديد مجموعة من الشروط التي يجب توافرها في كل مرشح للوظيفة، والهدف من هذه الشروط هو ضمان وجود موظفين أكفاء لهم القدرة على إدارة الشركة. هنا تحديداً يبرز دور التقييم الموضوعي، فمن خلاله أضمن اختيار الموظف الذي تتوافر فيه شروط الوظيفة. لكن ماذا لو اتصل بي صديق وطلب مني توظيف ابنه في شركتي؟ بوسعي أن أوضح له أن توظيف ابن صديق ليس من ضمن الشروط التي تضمن نجاح الشركة. ماذا لو أصر صديقي على طلبه؟ في هذه الحالة سأخرج بانطباعين، الأول يتعلق بصديقي، والثاني يتعلق بابنه، فلجوء صديقي إلى الإلحاح يعني أنه لايكترث بإفلاس الشركة، ولجوء ابنه إلى «الواسطة» يعني أنه لايرى في نفسه الكفاءة للحصول على الوظيفة!
لماذا يختلف الوضع في القطاع العام؟ إذا كان حجم الفساد يقدر بعدد المتضررين منه، فإن فساد وزارة أعظم بكثير من فساد شركة، ورغم ذلك لا يحرص الوزير عادة على نجاح وزارته بقدر حرص صاحب الشركة على نجاح شركته! لو ألقينا نظرة سريعة على القطاع الحكومي فماذا نجد؟ موظفا يتم تعيينه في وزارة بناءً على صلة قرابة مع أحد نواب الأمة، وشركة خاصة تفوز بمناقصة حكومية نتيجة دفع رشوة لمسؤول حكومي، وطالب ينجح في مادة بسبب قدراته الفائقة على استمالة عطف أستاذه. هذه أمثلة بسيطة تتعلق بمفهوم الفساد في القطاع الحكومي، والعامل المشترك بينها هو انتهاك مبدأ التقييم الموضوعي، فهذا المبدأ هو أول ضحية لكل حالة فساد.
جوهر الفساد هو طغيان المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، وتداخل المصالح الشخصية هو الذي يضمن استمرار الفساد. عندما يقبل وزير بوساطة غير مشروعة لنائب فما ذلك إلا لكي يأمن شره، وعندما يسعى نائب إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة لأحد ناخبيه فما ذلك إلا لكي يضمن صوته، والمحصلة النهائية هي فساد وزارة من جانب وفساد عملية انتخابية من جانب آخر! لكن ماذا لو رفض الوزير الخضوع للنائب، ورفض النائب الخضوع للناخب؟ هنا يتم استخدام أداة مشروعة لأغراض غير مشروعة، فينتقم النائب من الوزير من خلال الاستجواب، وينتقم الناخب من النائب من خلال صندوق الاقتراع! لاحظ أن جميع الحالات تتضمن انتهاك مبدأ التقييم الموضوعي.
من الصعب تحديد حجم الضرر الأخلاقي الناتج عن الفساد، لكن في كل عملية فساد هناك مستفيد وهناك متضرر، وسمة المستفيد من الفساد الأنانية، بينما مصير المتضرر من الفساد الإحباط، وبما أن عدد المستفيدين من الفساد أقل دائماً من عدد المتضررين، فإن المجتمع الفاسد ينتج أقلية أنانية وأغلبية محبطة. ليست هناك وصفة أفضل من هذه لنشوء ثورة لا تبقي ولا تذر، فضريبة الفساد ضخمة وموجعة، يسددها المستفيد والمتضرر معاً!

ليست هناك تعليقات: