الأربعاء، 8 يوليو 2009

الدين وتنظيم الأحزاب السياسية


مهما كان التوجه الأيديولوجي لأي تيار سياسي إسلامي، فإن وصوله إلى زمام الحكم لن يكون مشروعا إلا عند تقيد هذا التيار بتعاليم الشريعة الإسلامية! هذه الحقيقة تعكس قصوراً لدى التيارات الدينية في فهم أبسط أبجديات الديموقراطية، فحكم الشعب يعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، لا أن يكون مجرد أداة لحكم نفسه باسم الدين.
هناك اختلاف جذري بين التيارات السياسية حول دور الدين في الحياة السياسية، والمشكلة المتمثلة بمدى مشروعية قيام حزب سياسي على أساس ديني هي أحد أوجه هذا الاختلاف. قبل أن أشرح وجهة نظري الخاصة حول هذا الموضوع، أريد أولا التأكيد على الحقيقة التالية: لم تشهد الكويت حتى هذه اللحظة وجود تجمع سياسي يقوم على أساس ديني ويؤمن في الوقت نفسه بوجود قوانين وضعية كوسيلة لتنظيم الحياة السياسية. أكثر التيارات الدينية تسامحا مع المفهوم الحديث للدولة، مثل الحركة الدستورية الإسلامية أو حزب الأمة، تطمح إلى أن يكون الحكم حصريا تحت مظلة الشريعة الإسلامية، وإيمان هذه التيارات بالتعددية السياسية ينحصر فقط في مسألة تداول السلطة، وليس في كيفية مزاولة هذه السلطة!
بمعنى آخر، مهما كان التوجه الأيديولوجي لأي تيار سياسي، فإن وصوله إلى زمام الحكم لن يكون مشروعا إلا عند تقيد هذا التيار بتعاليم الشريعة الإسلامية! هذه الحقيقة تعكس قصوراً لدى التيارات الدينية في فهم أبسط أبجديات الديموقراطية، فحكم الشعب يعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، لا أن يكون مجرد أداة لحكم نفسه باسم الدين. إن نجاح المشروع السياسي الديني يعني الإفلاس حتى من الديموقراطية المنقوصة التي ننعم بها في الوقت الراهن، لذا فإن استكمال المشروع الديموقراطي في الكويت مرهون بالنضوج الفكري للتيارات الدينية وتسامحها مع مبدأ الاختلاف في كيفية إدارة شؤون البلاد.
سأبين الآن الأسباب التي تدفعني إلى الاعتقاد بعدم مشروعية قيام حزب سياسي على أساس ديني، و سأحاول الاختصار قدر الإمكان.
أولا، هناك من يتذرّع بوجود أحزاب مسيحية في الغرب، وهذه حجة واهية، فأقصى ما تسعى إليه الأحزاب المسيحية، هو دعم مجموعة من التشريعات المحافظة، وليس الانقلاب على القوانين الوضعية التي تشكل قوام المجتمع الغربي. بل إن درجة التسامح التي يتحلى بها الدين المسيحي في الوقت الراهن لا يعود الفضل في وجودها إلى الدين المسيحي نفسه، بل إلى ردة الفعل التاريخية ضد هذا الدين، وهي ردة فعل ساهمت في دفع الدين المسيحي كي يعرف حجمه الطبيعي كمجرد مؤسسة ضمن بقية مؤسسات المجتمع المدني. الأمر لدينا يختلف، فالدين الإسلامي له تأثير كبير على حياة الأفراد وآرائهم الشخصية، ومن هنا فإن فكرة قيام حزب سياسي على أساس ديني من شأنها أن تؤثر في الإرادة السياسية للفرد وإخضاعها لمعايير لا تدخل في صميم العملية السياسية، وكلنا يدرك مدى تأثير فتوى دينية واحدة في استنهاض مظاهرات شعبية عارمة! كل اختيار له مسبباته، وشرط الموضوعية هو أن يكون الاختيار والمسببات من نفس الجنس، والاختيار السياسي لا يشكل استثناء من هذه القاعدة.
ثانيا، هناك خلل منطقي في فكرة قيام حزب سياسي على أساس ديني، فمن المعروف أن كل تجمع ديني في الكويت يؤمن بإمكان تدبير جميع مجالات الحياة من منظور الشريعة الإسلامية، وهذا يعني أنه في حالة صدور قانون ينظم الأحزاب السياسية، فإن التيارات الدينية تصبح أمام خيارين: إما الاتحاد تحت مظلة حزب ديني واحد للتأكيد على وحدة المنظور الديني، وإما الانقسام إلى أحزاب دينية للتأكيد على نسبية منظور الشريعة الإسلامية. الخيار الأول يشير إلى وجود اتفاق موحد حول مفهوم الشريعة الإسلامية، وهذا أمر يخالف الواقع، والخيار الثاني يدلل على نسبية مفهوم الشريعة الإسلامية، مما يعني استحالة فض الخلافات السياسية من خلال الاحتكام إلى معيار لا يتفق الجميع على ماهيته. عندما يكون هناك خلاف دستوري، فمن السهل اللجوء إلى المحكمة الدستورية، لكن عندما يكون هناك خلاف ديني، فإلى من نلجأ؟
ثالثا، هناك خلل منطقي آخر في فكرة إنشاء حزب سياسي على أساس ديني، ذلك أن كل القوانين المنظمة للأحزاب السياسية تتضمن مبدأ المحافظة على النهج الديموقراطي داخل تركيبة كل حزب، وبالنظر إلى تكتلات إسلامية مثل الحركة الدستورية وحزب الأمة، سنجد أن هذه التيارات الدينية تؤمن بأهمية وجود قوانين وضعية داخلية تنظم عمل الحزب وتضمن اختيار القيادات الحزبية من منطلق ديموقراطي، لكن لو نظرنا إلى الهدف الأساسي لهذه التيارات سنجد أنه يقوم على فكرة الانقلاب على القوانين الوضعية واستبدالها بقوانين إلهية. لماذا تكون القوانين الوضعية ناجحة في تنظيم حزب، وفاشلة في تنظيم أمة بكاملها؟ هذه مفارقة لا أجد لها سببا منطقيا!

ليست هناك تعليقات: