هناك موضوعان قيد التداول في الساحة المحلية: الأول هو موضوع الحفاظ على الدستور والتمسك به، والآخر يتعلق بهذا المصطلح الغريب على "المجتمع المدني" والمسمى بـ "هيبة الشيوخ"· البعض يريد منا، ربما عن حسن نية، أن ننظر إلى العلاقة بين الموضوعين على أنها علاقة عكسية، فكلما ازداد الدستور قوة، ضعفت هيبة الشيوخ، والعكس صحيح!· سأحاول أن أبين في هذا المقال النقطة التالية: إن طرح مثل هذه العلاقة، بغض النظر عن صحتها، دليل على أننا لسنا نفتقر الى ديمقراطية حقيقية وحسب، بل إن لدينا أيضا دستورا يحول بيننا وبين الوصول إلى هذه الديمقراطية المنشودة!·
لدينا منظرون سياسيون في الكويت لا يملّون من ترديد عبارة أن النظام السياسي في الكويت هو نظام بين منزلتين، بين الرئاسي و البرلماني، مع ميل إلى الأخير، وللأسف صدّق الكثيرون هذه العبارة وأنا أحدهم، لكن إذا أردنا أن نسمّي الأشياء بأسمائها، فإن الحقيقة تقول إن لدينا دستورا يحاول أن يوازن بين سلطة الأسرة الحاكمة وسلطة الشعب، مع ميل نظري نحو سلطة الشعب، وميل عملي نحو سلطة الأسرة الحاكمة· هناك شعارات نظرية في الدستور مثل "الشعب مصدر السلطات جميعا"، وهو شعار فارغ المضمون يزيّن أيضا باقي دساتير الدول العربية، لكن هناك أيضا قوانين عملية تساهم في ترجيح كفة الأسرة الحاكمة وسيطرتها شبه الكاملة على التشريعات التي تصدر من المجلس، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر القانون المتعلق بمشروعية تصويت الحكومة على كل القضايا عدا قضية طرح الثقة· ربما يعترض القارىء ويقول إن وجود مجلس حر و قوي سيحد من هذه المشكلة، وهذه هي مسؤولية الشعب! لكن إذا كانت التيارات السياسية التي تقود الشارع لا تزال تخلط بين المحرّم اجتماعيا والمحرّم دستوريا، فمن أين للشعب القدرة على الإتيان بمجلس "سوبر"؟ قوة المجالس السابقة كانت منحصرة في وظيفة الحفاظ على المال العام، وهي وظيفة مهمة من دون شك، لكن المشكلة الحقيقية بقيت كما هي منذ عام 62 إلى يومنا هذا، وهي مشكلة التوصل إلى تشكيل حكومة من رحم الشعب نفسه· قد يعترض القارىء مرة أخرى ليقول إن الشعب غير مهيأ بعد لمثل هذه المرحلة، وأجيبه قائلا: إذا كان الأمر كما يقول، فلماذا لا نشهد إذن اعترافا صريحا بالفشل في هذه المهمة من قبل التيارات السياسية كافة؟ أم أن عملية تهيئة الشعب لم تكن مطروحة منذ الأساس؟ إذا كان الأمر كذلك، فعليهم أن يكفوا عن التباكي المستمر على الدستور، فضعف دستور62 ناتج عن عدم وجود رغبة مخلصة في تجاوزه إلى دستور جديد يحد من أخطاء الدستور القديم!
الآن يراد لدستور 62، على ضعفه و قلة حيلته، أن يدخل في علاقة عكسية مع "هيبة الشيوخ"، و أنا لا أدري حقيقة أين المنطق في ربط نظام قانوني مثل الدستور بطقوس عشائرية مثل هيبة الشيوخ! إذا كان الشيوخ يهابون بعضهم بعضا فهذا شأنهم، ما علاقة الدستور و الشعب بهيبة الشيوخ؟ كل ما نستطيع أن نفعله كشعب هو أن نتفاءل في أن يحل الشيوخ مشاكلهم العالقة بطرق سلمية و من دون ضجيج إعلامي، وأن يدركوا أنهم ليسوا سوى مواطنين لهم ما للمواطنين من حقوق وعليهم ما على المواطنين من واجبات أما السلطة السياسية فإن لدينا أكثر من سبب للتفاؤل في زيادة مقدار الروح المدنية لديها من حيث التعامل مع الشعب، فـ "خيازرين" عام 38 تم استبدالها بخراطيم المياه عام 90، وهذه خطوة إيجابية تستحق الإشادة!!
من المؤسف حقا أن يهتم رجال القانون لدينا بهيبة الشيوخ بدلا من اهتمامهم بهيبة القانون! لكن قبل هذه و تلك، عندما تستباح حرمة العقل وتضعف هيبته، فكل شيء عندها يصبح مباحا!
لدينا منظرون سياسيون في الكويت لا يملّون من ترديد عبارة أن النظام السياسي في الكويت هو نظام بين منزلتين، بين الرئاسي و البرلماني، مع ميل إلى الأخير، وللأسف صدّق الكثيرون هذه العبارة وأنا أحدهم، لكن إذا أردنا أن نسمّي الأشياء بأسمائها، فإن الحقيقة تقول إن لدينا دستورا يحاول أن يوازن بين سلطة الأسرة الحاكمة وسلطة الشعب، مع ميل نظري نحو سلطة الشعب، وميل عملي نحو سلطة الأسرة الحاكمة· هناك شعارات نظرية في الدستور مثل "الشعب مصدر السلطات جميعا"، وهو شعار فارغ المضمون يزيّن أيضا باقي دساتير الدول العربية، لكن هناك أيضا قوانين عملية تساهم في ترجيح كفة الأسرة الحاكمة وسيطرتها شبه الكاملة على التشريعات التي تصدر من المجلس، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر القانون المتعلق بمشروعية تصويت الحكومة على كل القضايا عدا قضية طرح الثقة· ربما يعترض القارىء ويقول إن وجود مجلس حر و قوي سيحد من هذه المشكلة، وهذه هي مسؤولية الشعب! لكن إذا كانت التيارات السياسية التي تقود الشارع لا تزال تخلط بين المحرّم اجتماعيا والمحرّم دستوريا، فمن أين للشعب القدرة على الإتيان بمجلس "سوبر"؟ قوة المجالس السابقة كانت منحصرة في وظيفة الحفاظ على المال العام، وهي وظيفة مهمة من دون شك، لكن المشكلة الحقيقية بقيت كما هي منذ عام 62 إلى يومنا هذا، وهي مشكلة التوصل إلى تشكيل حكومة من رحم الشعب نفسه· قد يعترض القارىء مرة أخرى ليقول إن الشعب غير مهيأ بعد لمثل هذه المرحلة، وأجيبه قائلا: إذا كان الأمر كما يقول، فلماذا لا نشهد إذن اعترافا صريحا بالفشل في هذه المهمة من قبل التيارات السياسية كافة؟ أم أن عملية تهيئة الشعب لم تكن مطروحة منذ الأساس؟ إذا كان الأمر كذلك، فعليهم أن يكفوا عن التباكي المستمر على الدستور، فضعف دستور62 ناتج عن عدم وجود رغبة مخلصة في تجاوزه إلى دستور جديد يحد من أخطاء الدستور القديم!
الآن يراد لدستور 62، على ضعفه و قلة حيلته، أن يدخل في علاقة عكسية مع "هيبة الشيوخ"، و أنا لا أدري حقيقة أين المنطق في ربط نظام قانوني مثل الدستور بطقوس عشائرية مثل هيبة الشيوخ! إذا كان الشيوخ يهابون بعضهم بعضا فهذا شأنهم، ما علاقة الدستور و الشعب بهيبة الشيوخ؟ كل ما نستطيع أن نفعله كشعب هو أن نتفاءل في أن يحل الشيوخ مشاكلهم العالقة بطرق سلمية و من دون ضجيج إعلامي، وأن يدركوا أنهم ليسوا سوى مواطنين لهم ما للمواطنين من حقوق وعليهم ما على المواطنين من واجبات أما السلطة السياسية فإن لدينا أكثر من سبب للتفاؤل في زيادة مقدار الروح المدنية لديها من حيث التعامل مع الشعب، فـ "خيازرين" عام 38 تم استبدالها بخراطيم المياه عام 90، وهذه خطوة إيجابية تستحق الإشادة!!
من المؤسف حقا أن يهتم رجال القانون لدينا بهيبة الشيوخ بدلا من اهتمامهم بهيبة القانون! لكن قبل هذه و تلك، عندما تستباح حرمة العقل وتضعف هيبته، فكل شيء عندها يصبح مباحا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق