الأربعاء، 8 يوليو 2009

لاحاجة إلى حوار بين الأديان

ما الهدف من حوار الأديان؟ أطرح على نفسي هذا السؤال في كل مرة أسمع فيها عن دعوة لإقامة حوار بين الأديان، و ما أكثر الدعوات في هذا الشأن! من السخف أن يكون الهدف هو الوصول إلى اعتراف متبادل بين جميع الأطراف بحقيقة كل دين، فلو تم ذلك لاختفى كل دين من تلقاء نفسه، ذلك أن حقيقة كل دين تعتمد في وجودها على بطلان حقيقة الأديان الأخرى! هل الهدف إذن من هذا الحوار هو التوصل إلى احترام متبادل بين الأديان؟ لكن هذا الهدف أيضا لا يخلو من إشكالية، فهو يفترض ضمنا أن الأديان لا تحترم بعضها البعض و لهذا السبب بالذات هي مدعوة للحوار فيما بينها· إذا كان هذا صحيحا، فإن الأجدر بكل دين أن يعيد قراءة تراثه لمعرفة أين يكمن منبع عدم احترام الديانات الأخرى، و لو تم ذلك لانتفت الحاجة إلى عقد حوار أساسا· لعل الهدف من هذا الحوار هو محاولة التشديد على نقاط الالتقاء و صرف النظر عن نقاط الاختلاف لضمان التعايش السلمي بين الأديان· هذا الهدف يبدو أكثر إقناعا، لكنه يشير إلى اعتراف ضمني مفاده أن الأديان غير متسامحة مع مبدأ الاختلاف، و في حالة بروز هذا الاختلاف على السطح فإن الحوار بين الأديان يصبح مستحيلا، فضلا عن استحالة التعايش السلمي غير المشروط بينها!
يبدو أن الحوار بين الأديان لا يفتقر إلى هدف منطقي و حسب، بل إنه حوار لا يخلو أيضا من مفارقات غريبة· على سبيل المثال، الدعوة إلى حوار مسيحي-إسلامي تفترض وجود رؤية مسيحية موحدة في مقابل رؤية إسلامية موحدة، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، و لعل العام2004 حمل معه دلالة خاصة، ففي تلك السنة عقد منتدى الوحدة و الثقافة الإسلامية في البحرين، و قبله بثلاثة أشهر ألقى بابا الفاتيكان الراحل خطابا عاطفيا ضمن مناسبة "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين"! المفارقة الأخرى هي دعوة طرفين للحوار في الوقت الذي يكون فيه كل منهما منهمك في سباق محموم لزيادة عدد الأعضاء، فها هي القارة الأفريقية كانت و لم تزل ساحة نزاع عقائدي بين الدعوة إلى الإسلام و التبشير بالنصرانية، و هو النزاع الذي شهد اتهامات متبادلة باللعب غير النظيف و التنافس غير الشريف! بالمناسبة، لماذا تكون الأسواق العقائدية رائجة في مناطق الفقر و البؤس و الحاجة؟!
في دول العالم الإسلامي، تحاول الجماعات الإسلامية التغلل إلى التشريعات و القوانين المدنية و استبدالها تدريجيا بالشريعة الإسلامية· في الغرب، تصر الجماعات المسيحية و على رأسها الفاتيكان على إضافة كلمة "الرب" وتعبير "التراث المسيحي لأوروبا" إلى أبجديات مسودة دستور الإتحاد الأوروبي! الغريب أن كلا الطرفين، الإسلامي والمسيحي، يفضل وجود نظام علماني عند الآخر و ذلك لضمان حقوق الأقليات التابعة له! بمعنى آخر، النظام العلماني مرفوض في نطاق خريطة حدودي الدينية، لكن حبذا وجود هذا النظام عند غريمي و منافسي كي أجبره على ضمان حقوق أتباعي المتواجدين على أرضه! هذه الازدواجية في المعايير ليست غريبة عن العقلية الدينية ذات النفس السياسي، لكنها تحمل دلالة في غاية الأهمية: إنها تشير إلى اعتراف ديني بأن التعايش السلمي بين الأديان ممكن في ظل نظام يفصل الدين عن السياسة، و أن فرصة الوجود غير المشروط لأي دين تحت مظلة دين آخر ضعيفة جدا، إن لم تكن مستحيلة! ربما نستثني من ذلك تاريخ دخول البوذية إلى اليابان و تعايشها السلمي مع ديانة "الشينتو" الأصلية·
أخيرا، لعل السبب في افتقار حوار الأديان إلى هدف منطقي واضح يكمن في إن أطراف الحوار أنفسهم لا يقيمون وزنا للمنطق! في واقع الأمر، لسنا في حاجة إلى حوار بين الأديان، بل إلى تعهد بين الأديان في الابتعاد عن السياسة!

ليست هناك تعليقات: