الاثنين، 6 يوليو 2009

نعم... ليسوا في حاجة الى "بابا"

كتب الزميل خليل علي حيدر مقالا مهما بعنوان "المسلمون لا يحتاجون الى بابا" (الوطن، 14/4/2005)، وتحدث فيه عن "نعمة التعددية الفقهية" في الإسلام ودورها الإيجابي في خلو التاريخ الإسلامي من محاكم التفتيش وفي ازدهار "الآداب والفنون أينما سنحت الفرصة في البلدان العربية والإسلامية"· الكاتب محق في أن التعددية (ليس بالضرورة أن تكون تعددية فقهية فقط) إنما هي نعمة، هذا إذا كانت تدل على وجود عقلية نيرة تحترم الآخر ولا تلغيه، لكن هل ينطبق ذلك على التعددية الفقهية الإسلامية؟ بودي أن أجيب بنعم·· لكنها لا!
عندما نقول بأن هناك تعددية من نوع ما فإننا نقوم بعملية وصف لهذه التعددية، أما عندما نضيف قائلين بأن هذه التعددية هي نعمة أو نقمة، نكون بذلك قد خرجنا من عملية الوصف ودخلنا في عملية التقييم، وهنا من حقنا طرح السؤال التالي: متى تكون التعددية نعمة؟ لن نذهب بعيدا عبر الزمن كي نعثر على إجابة، بل يكفي أن نولي بوجوهنا شطر الغرب، فلنا فيه أسوة حسنة! هناك، التعددية لا تعني فقط وجود أكثر من نوع، بل تعني أيضا إمكانية التعايش السلمي بين كل الأنواع دون أن يطغى نوع على آخر· هناك، السلطة السياسية لا تتبنى نوعا بعينه وتفرضه على بقية الأنواع· هناك، لكل نوع الحق في الوجود والتعبير عن وجوده· هناك إنما تكون التعددية نعمة!
عندما نحدد مفهوم التعددية بهذا الشكل، يصبح من العدل القول إن التاريخ الإسلامي منذ ظهوره وحتى يومنا هذا لم يشهد وجود تعددية حقيقية، لا فقهية ولا من أي نوع آخر، وحتى في فترة الاحتلال الإسلامي لبلاد الأندلس، والتي دامت قرابة الثمانية قرون، لم تكن هناك تعددية بالمعنى الحضاري لهذه الكلمة، بل مجرد تعايش سلمي غير متكافئ في الحقوق بين أقلية مسلمة حاكمة وأغلبية مسيحية محكومة، ثم لم يلبث أن تحول هذا التعايش السلمي الى قمع صريح ما بين 1086 الى 1492·
حتى لا أتهم بالتحامل على جانب ومحاباة جانب آخر، أضيف لأقول بأن عدم وجود تعددية حقيقية لا يقتصر فقط على الدين الإسلامي، بل كل دين ظهر أو سيظهر لا يقبل بفكرة التعددية بالمفهوم الذي بيناه أعلاه، ذلك أن فكرة الدين، أي دين، قائمة على الحقيقة الواحدة المطلقة ورفض كل ما يتعارض معها! الفرق بين الإسلام وأديان أخرى كالمسيحية - مثلا - هو أن الأخيرة التزمت منذ مدة طويلة مكانها الطبيعي في المجتمع كمؤسسة دينية لا تملك الحق القانوني بإلزام أفرادها في اتباع تعاليمها، بينما بقي الإسلم يتراوح بين اثنتين: إما كونه سلطة سياسية ملزمة أو سلطة اجتماعية مؤثرة!
الزميل خليل علي حيدر دقيق جدا في ألفاظه، ولعله أراد بقوله "أينما سنحت الفرصة" في الاقتباس أعلاه، أن الفرصة تكون سانحة لازدهار الآداب والفنون عندما تتبنى السلطة السياسية رأيا فقهيا أكثر انفتاحا وتحررا، لكن هذه ليست بمزية تحسب لصالح التعددية الفقهية، فضلا عن أن تكون نعمة، بل هي، في أحسن الحالات، تدل على عجز السلطة السياسية عن تبني نهج علماني يملك قيما إنسانية تسري على الجميع ويؤمن بالتعددية دون الحاجة الى الاستعانة برأي فقهي معين في مسألة محددة من أجل التزكية أو براءة الذمة! لا نريد "مأمونا" ينتصر للمعتزلة ويسحق خصومهم السلفيين، ولا نريد "متوكلا" يقلب الآية، بل نريد من باستطاعته أن يدرب كلا الفريقين على التعايش السلمي وقبول الآخر، نريد سلطة سياسية واثقة من نفسها وليست بحاجة لفتوى دينية من هذا ورأي فقهي من ذاك! فك الارتباط بين السياسة والدين هو الخطوة الأولى لتدشين المشروع العلماني، لكن نجاح هذا المشروع يبقى مرهونا بتبني قيم التعددية بكل أنواعها واحترام رأي الآخر والقبول بحقه في الوجود!
نعم·· المسلمون ليسوا في حاجة الى "بابا"، فلكل طائفة مسلمة "بابا" خاص بها، وبمميزات أفضل بكثير من سلطة "بابا" روما على الكاثوليك! نعم·· المسلمون ليسوا في حاجة الى "بابا"، بل هم في أمس الحاجة الى "لوثر" لكل طائفة!! كم "لوثر" يلزمنا يا ترى؟!
ملاحظة: "الرد على القرضاوي في ترحمه على طاغوت النصارى البابا يوحنا بولس الثاني"، هذا هو عنوان أحد المواضيع المنشورة في المنتديات الإسلامية! كاتب الموضوع يقول، بعد تلك الديباجة المعروفة التي تتردد على مسامعكم مرة في الأسبوع، أن "المقرر عند أهل السنة والجماعة أن من لم يدخل دين الإسلام، فإنه كافر مشرك·· ومن كبار أهل الشرك: اليهود والنصارى وأهل الأوثان والمجوس والملاحدة والباطنية وأشباههم من أهل الإشراك·· والترحم على الكفار حرام مقطوع به"!! هذا مجرد غيض من فيض التعددية الفقهية "العدائية"!!

ليست هناك تعليقات: