الأربعاء، 8 يوليو 2009

الشارع الكويتي ومثلث التظاهر

فكرة الخروج إلى الشارع والانضمام إلى مظاهرة ليست فكرة مجانية، فهي تستدعي التضحية بالجهد والوقت، وربما تضمنت أيضا عنصر المخاطرة، لكن الأهم من ذلك كله هو ما تنطوي عليه هذه الفكرة النبيلة من إيمان بقضية أو الدفاع عن حقوق مسلوبة· مفهوم التظاهر كتعبير عن إرادة جماعية يعكس حيوية المجتمعات البشرية ومدى تفاعلها مع الأزمات التي تمر بها، ونوعية التظاهر تشير إلى الأولوية التي يضفيها كل مجتمع على قضاياه المصيرية· في هذا المقال أريد أن أسلط الضوء على قصور خطير في مفهوم التظاهر لدينا في الكويت، وهو قصور يدلل على أننا لم نبلغ بعد مرتبة "المجتمع المدني"·
لو أردت تصنيف المظاهرات الشعبية في الكويت من خلال ربط كل مظاهرة بمكان جغرافي يرمز إلى نوعية المظاهرات فلن أجد أفضل من التصنيف التالي: مظاهرة أمام مجلس الأمة، ومظاهرة أمام المسجد الكبير، ومظاهرة أمام مبنى البورصة· بمعنى آخر، مفهوم التظاهر لدينا يقتصر فقط على أسباب سياسية أو دينية أو اقتصادية، ومثلث التظاهر هذا لا يختلف عن مفهوم التظاهر في بقية الدول العربية· الجميع على استعداد للخروج في مظاهرة دفاعا عن الدين، أو الدستور، أو لقمة العيش، لكن هناك قضايا لا تقل أهمية عن هذه المحاور الثلاثة وربما تفوقها أهمية، ورغم ذلك مازالت هذه القضايا مهمشة وخارج نطاق أولوياتنا! مفهوم التظاهر لدينا يفتقر إلى عنصرين على الأقل: الإنسان والعقل·
في الكويت من الصعب أن نشهد مسيرة شعبية كويتية في منطقتي الحساوي وجليب الشيوخ دفاعا عن حقوق العمالة الأجنبية وتنديدا بظروفها المعيشية المزرية! حتى هذه اللحظة لم تشهد الكويت مظاهرة كويتية واحدة في منطقة الصليبية كبادرة إنسانية في الدفاع عن حقوق "البدون"! نقرأ في الصحف عن اختطاف أطفال صغار واغتصابهم وقتلهم بدم بارد، لكن هذه كلها مجرد أمور تافهة لا تستدعي الخروج إلى الشارع! طبقا لعقلية المواطن الكويتي وسائر المنظمات التي لها القدرة على تحريكه، كي يخرج المرء إلى الشارع يجب أن تكون هناك قضايا لا تقل أهمية عن رسوم كارتونية أو دوائر انتخابية أو قروض استهلاكية! (أشعر بالقرف لمجرد عقد مثل هذه المقارنة!)·
في الكويت أيضا من المستحيل حتى أن نتخيل وجود مظاهرة شعبية أمام مبنى وزارة التربية كاحتجاج على تدني المستوى التعليمي وفقر المناهج الدراسية! قبل أشهر نشرت إحدى الصحف الكويتية مقابلة مع بعض أولياء الأمور حول طبيعة التقييم المدرسي للطلاب، والمدهش أن الجميع عبّر عن امتعاضه لهذا التقييم وما ينطوي عليه من ظلم للطالب، لكن أحدا لم يتطرق على الإطلاق إلى نوعية المعلومة الدراسية التي تقدم للطلاب ومدى استفادتهم منها، فبالنسبة لأولياء الأمور المهم أن ينجح الطالب، أما ماذا درس تحديدا فهذا أمر لا يسترعي الانتباه! طبقا لعقلية معظم أولياء الأمور، جميل أن يحصل الطالب على الدرجة الكاملة في مادة الفيزياء، لكن لا يهم معرفة أن شكل الذرة الذي تعلمه في منهج الفيزياء فاقد للصلاحية منذ مئة عام! لا أحد يبدو مكترثا بحقيقة أن مناهجنا الدراسية تقول نصف الحقيقة وتشوه النصف الآخر: يدرس الطالب مادة الأحياء ولا يسمع عن "داروين"، يدرس مادة التربية الإسلامية ولا يسمع عن "ثورة القرامطة"، يدرس مادة المنطق ولا يسمع عن "جودل"! ماركس وفرويد مجرد يهود حاقدين، وكوبرنيكوس وداروين مجرد حمقى يدعون ما لم ينزل الله به من سلطان!
في الكويت أيضا تقام الندوات للوقوف على آخر الاكتشافات العلمية من خلال النصوص الدينية، ورغم ذلك لا أحد يجد ضرورة للخروج إلى الشارع والتظاهر كاحتجاج على إهانة العقل الإنساني وسرقة منجزاته! لم نسمع حتى عن بيان استنكار رسمي من قبل أساتذة الأقسام العلمية في أية مؤسسة علمية! عندما يفشل الساسة في فصل الدين عن السياسة، وعندما يفشل أهل العلم في فصل الدين عن العلوم الحديثة، فما الذي تبقى من مقومات "المجتمع المدني"؟!
علينا أن ندافع عن الإنسان أولا، ثم عن العقل الإنساني ثانيا، وإذا نجحنا في ذلك، يكون من حقنا عندها التفكير بكيفية إنشاء ركائز "المجتمع المدني"!

ليست هناك تعليقات: