الاثنين، 6 يوليو 2009

ثوابت الأمة!

هناك مصطلحات تستعمل بكثرة من خلال أجهزة الإعلام وتردد إلى درجة تقبل الناس لها من دون أدنى تحليل لماهية هذه المصطلحات وما تعنيه بالضبط· "ثوابت الأمة" هو أحد هذه المصطلحات، وهذا المقال هو محاولة لتسليط الضوء على ركن مظلم من الوعي الجمعي يعرف بـ "ثوابت الأمة"!
أول دلالة مباشرة لهذا المصطلح تشير إلى أن ثمة أمة من الأمم، وأن لهذه الأمة ثوابت، أي مكونات وخصائص لا تتأثر بحركة الزمن ولا تتغير بتغير المكان! هنا يكون السؤال التالي مشروعا: هل هناك شيء في هذا الكون الفسيح غير قابل للتحول؟ بمعنى آخر: هل ثوابت الأمة هي ثوابت فعلا أم أنها قابلة للتأثر بحركة التاريخ؟
الدين - الإسلام تحديدا - يقدم لنا من قبل البعض على أنه أحد هذه الثوابت، لكن أي نظرة عقلانية في التاريخ الإسلامي تبرهن على أن الإسلام، تماما كبقية الأديان الأخرى، قد تعرض بالفعل إلى تغيرات جذرية نتيجة الصراعات السياسية من جهة، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، لنضرب بعض الأمثلة ونقول إن الصراع على السلطة بين المسلمين لم يكن موجودا في عصر الرسول بل بعد وفاته مباشرة، وتوارث الخلافة لم يكن له وجود صريح في عصر الصحابة بل بعد هذا العصر مباشرة، وإسلام أهل الأندلس والمغرب العربي لم يكن هو نفسه إسلام أهل الجزيرة العربية وبلاد الرافدين والشام· لو كان الإسلام دينا غير قابل للتغير، لما قال الرسول "طوبى للغرباء"! لو كان الإسلام دينا غير قابل للتغير، لما ظهر من تحت عباءته كل هذا الكم الذي نراه من ملل ومذاهب، بل لما ظهرت مؤشرات إلحادية صريحة من قبل أفراد أثروا كثيرا في الفكر الإسلامي!·
العادات والتقاليد الاجتماعية هي الأخرى تقدم لنا من قبل البعض على أنها أحد ثوابت الأمة، لكن أي طالب مبتدأ في قسم الفلسفة بإمكانه أن يبرهن لنا أن فكرة موضوعية الأخلاق تعتبر محل صراع عنيف، وعقيم أحيانا، بين المفكرين في ميدان فلسفة الأخلاق! ثم هل كل ما هو مقبول اجتماعيا اليوم كان كذلك بالأمس؟ وهل كل ما هو محرم اجتماعيا اليوم سيظل محرما الدهر كله؟!
ليردد، إذن، هؤلاء البعض كيفما شاؤوا، وليقولوا أن هناك أمة وأن هناك ثوابت، لكن عليهم أن لا ينسوا شيئا مهما: ليس من الضرورة أن يتفق جميع أفراد المجتمع الواحد على ماهية هذه الثوابت، فضلا عن وجودها على أرض الواقع!·
الخلاصة: مجتمع القطيع لا يتناسب مع روح هذا العصر!!

ملاحظة: تصريح بعض رجال الدين للزميلة "الرأي العام" حول حكم التهنئة بالكريسمس يعبر عن عقلية ضيقة وعدوانية تجاه الآخرين!! أصدق التهنئات من كاتب هذه السطور إلى كل المسيحيين على وجه الأرض!!

ليست هناك تعليقات: